السبت، 19 فبراير 2011

الإسلام والمفهوم الصحيح للحرية



فضيلة الشيخ / محمد عبدالله الخطيب

حين يؤمن الانسان بالحرية يدرك أنها هدف عظيم يستحق الكفاح والنضال، فيحاول تحقيقها في حياة الآخرين، ويصبح كلُّ همه أن يعيش هو مع الآخرين- بل وكل البشر- في ظلالها، والجميع يملكون حقًّا متساويًا من العدل والأمن والأمان والتفكير، والجهر بكلمة الحق بغير تعصب إلا لتحرير عباد الله من رقِّ الشهوات وجور الظالمين.

الحرية أن يعيش الفرد وسط المجتمع متمتعًا بكل ما قررته الرسالات السماوية ونصَّت عليه الدساتير من حقوق، وعندها تنبض القلوب بالصدق، وتنطق الألسنة بالحق، وتعمل جميع الأيدي- غير مرتعشة ولا مضطربة- في بناء الحضارة وصنع المستقبل.

نريد الحرية ليحيا الجميع حياة الاستقرار، ويشعر الكلُّ بالعزة والكرامة التي كتبها الله لعباده المؤمنين، قال تعالى: ﴿وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِيْنَ﴾(المنافقون: 8).. إنها الحرية التي قرَّرها عمر بن الخطاب وهو يصيح في وجه عمرو بن العاص- رضي الله عنه- بعد أن أقام الحد على ابنه الذي تَطَاول على ذمِّي، قال له: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟!".

فالحرية تولد مع الإنسان وليست منحةً من مخلوق أو صدقةً من أحد، وتوحيد الله- عز وجل- هو أعلى مفاهيم الحرية؛ حيث تتحرر النفس البشرية والعقل الإنساني من قيود العبودية لغير الله، ومن عبادة الفرد أو تقديسه، ولقد ألقت دعوة التوحيد أمام الإنسانية النورَ الصادقَ فحررتْها من كل القيود.. من عبودية للعقل، أو عبودية للهوى، أو عبودية للمادة، وبهذا فتحت الطريقَ أمامها إلى فهم الحقائق الكبرى، وصدق الله العظيم ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَّلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُوْنِ اللهِ﴾ (آل عمران: 64).

والحرية في الإسلام حرية متوازنة، ليست حريةَ المجتمع على حساب الفرد، ولا حريةَ الفرد على حساب المجتمع والجماهير، وهي حريةُ الفكر المنطلق في طريق الحق إلى الاجتهاد والإبداع والتجديد، فالمجتهد له أجران إذا أصاب، وله أجر إذا أخطأ، والحرية في الإسلام هي حق التفكير والحكم على الأشياء حكمًا صحيحًا، وحرية التعليم: هي مواجهة الجهل والتخلُّف والتعصُّب والتقليد، وهي حقٌّ للرجل والمرأة على السواء.. "طلب العلم فريضةٌ على كل مسلم".

والحرية في الإسلام هي حريةٌ في الاعتقاد والقول والتأليف والمحاضرة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح لكل مسلم، كما أن الإسلام قرَّر حرية التملك والتصرف فيما يملك، فلا مصادرةَ لحق ولا عدوان أو تسلط على أحد، وحرية البيوت وحرمتها، فلا تجسس من أحد مهما كان السب، ولا قيود من أي نوع، والمسلمون في تاريخهم كله لم يضطَّهدوا أحدًا، ولم يُكرهوا أحدًا على عقيدة معينة، قال تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّيْنِ قَدْ تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ (البقرة: 256).

وحرية الفكر في الإسلام حرية شاملة تسع المسلم وغير المسلم، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِيْنَ﴾ (يونس: 99)، ويقول سبحانه وتعالى:﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾(الغاشية: 21).

وبهذا الفهم الصحيح للحرية يتحرر الإنسان، وتتحرر البشرية، ويرتفع الجميع إلى المستوى اللائق بمن استخلفه الله- عز وجل- لعمارة هذا الكون على أساسٍ من الصدق والعزة والكرامة.. وبهذا أسقط الإسلام حرية التعصب، وحرية العدوان على عباد الله، وحرية التقليد الأعمى، وحرية السيطرة والظلم، وأبطل كل ألوان الاستبداد إلى الأبد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق